cropped-New-Logo.png

نقد روجيه جارودى للتصور الغربي عن الروح

كتبت : ا . اسماء عبدالعزيز احمد

تم النشر بواسطة : ا . اسلام اشرف

أكاديمية معًا Together Academy المؤتمر العلمي الدولي 4TAT نقابة المهندسين – الاسكندرية

نقد روجيه جارودى للتصور الغربي عن الروح

أسماء عبدالعزيز أحمد محمد الصيفي

مقدم إلى د. سارة عبد اللطيف

المشرف العام علي الأبحاث ورئيس مجلس الإدارة

د. روبرت إدوار

القاهرة، جمهورية مصر العربية

فبراير،2023

المقدمة

 جارودى فيلسوف مسلم تحول بفكره الغربي إلى فكر شرقى ممتزج بالمبادئ الدينية – حتى وإن شك البعض في إسلامه – وحاول قدر جهده – أن  يقدم رؤية جديدة وفلسفية ممنهجة بالأسس العلمية قائمة ومبنية على المنهج العلمى الصحيح..

وحاول جارودي أن يقدم أطر منهجية عامة تتمشى مع الأسلوب الفلسفى الحاضر ضاربة أسسها وقواعدها في جذور الماضي. حتى وصل جارودى فى نهاية المطاف إلى اليقين ومفهوم الحقيقة ، مع تقديم مشروع حضاري كبير ذلك المشروع الحضارى الذى يحُلم به جارودى لبناء المستقبل الإنساني باعتبار أن الإنسان هو الفيصل الجوهرى فى فلسفة جارودى.

 وعلى الرغم من ذلك حاول روجيه جارودى – أيضاً – أن يلقى الضوء على بعض الأسباب التى أدت إلى ركود الأمة الإسلامية وعرض لخطرالأصولية. وخاصة فى التفسير المادى للقرآن الكريم وغياب الإيمان لذلك يحاول جارودى القول أننا بحاجة إلى  اليقظة والإيمان الفعلي الذي عن طريقه يتجلى الله في قلب كل مؤمن.

 وحاول جارودى تقديم ذلك من خلال قراءاته للحضارة الغربية التي عاش فيها ووقف على حقيقتها وحقيقة إيمانها المادى الذى حول الحضارة الإسلامية إلى حضارة مادية تعجز عن فهم وتحقيق الغايات الإنسانية. مما أدى إلى أن أصبح الإنسان مجرد آلة في مشروع الأمل والذي قضى على إنسانية وجوده.

إن البحث في أمر النزعة الروحية من الأمور والقضايا التي تعددت فيها الآراء ووجهات النظر ، وكثرت فيها الأقاويل .

 لم تكن النزعة الروحية من القضايا التي شغلت بال المفكرين المحدثين والمعاصرين فقط ، بل ـ هي أيضاً ـ ُوجدت منذ وجود الإنسان على سطح الأرض .

فقد حظيت النزعة الروحية باهتمام العديد من المفكرين سواء كانوا فلاسفة وعلماء اجتماع  وعلماء نفس …الخ .

الموضوع

   إن البحث في النزعة الروحية شغل مساحات واسعة في الزمان والمكان عند المفكرين والفلاسفة في محاولة مستمرة منهم للوصول إلى حقائق الأشياء . ذلك لأن الله تعالى خلق الإنسان ، ووهبه نعمة البحث والتفكير في أمور الأشياء ، وفي جميع الأشياء ، وفي جميع الكون من حوله ممعناً النظر في حياته ولا يقبل أي شيء إلا ما يمليه عليه عقله قبولاً نقدياً متوازناً موضوعياً بعيداً عن الاستهواء ، ورافضاً للقبول الأعمى والتقليد .

والآن لنا أن نتساءل :-

*-هل الروح هي النفس ؟ أم الروح أمر مغاير للنفس ؟

*-هل يوجد علاقة بين الروح والنفس ؟ وما مدى هذه العلاقة ؟

    في حقيقة الأمر ، وجدنا أن الأمر صعب فهناك من يؤكد على أن الروح هي النفس ، ودليلهم على ذلك أن الروح والنفس مغايري – الهوية – الجنسية عن البدن والجسد . ولكن أصبحت الدائرة مغلقة ، لا تستطيع الخروج منها ـ على اعتبار أن كليهما ـ أي الروح والنفس ـ شيءٍ واحد.

       ولكن هناك طائفة من الفلاسفة يؤكدون على اختلاف الروح عن النفس ، معللين  ذلك بأن النفس هي الدم وإنما سمي الدم نفساً لأن النفس تخرج بخروجه. وأيضاً أن نفس الشيء أي ذاته يقال رأيت فلاناً نفسه ، وجاءني  بنفسه .

    وعلى أثر ذلك اختلف المسلمون في مسألة النفس والروح إلى عدة فرق وآراء كالاتي:

الفريق الأول :-

يرى أن الروح والنفس مسمى واحد ودليلهم في ذلك “حديث أبي هريرة عن النبي (ص) قال” إن المؤمن ينزل به الموت ويعاني ما يعاني بود لو خرجت نفسه والله تعالى يحب لقاءه ، وإن المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا صدق رسول الله(ص) .

   لذلك يؤكد ابن القيم إن النفس سميت روحاً لحصول الحياة بها . وسميت نفساً أما من الشيء النفيس لنفاستها وشرفها وإما من تنفس الشيء إذا خرج فلكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفساً .

الفريق الثاني :-

    يتخذ رأياً آخر في هذا المضمار مؤكدين على أن : الروح غير النفس حيث ، إن للإنسان حياةً وروحٌ ونفساً . فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها الأشياء ، ولم تفارق الجسد بل تخرج كحبل ممتد له شعاع فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه . وتبقى الحياة  والروح في الجسد ، فيه يتقلب ، ويتنفس .

        ولكن رغم هذا الإختلاف فإننا نتفق مع الرأي الثالث الذي يؤكد على أن النفس والروح شيئاً واحداً.   

    إذ نرى أن هذا الفرق إنما هو في اللفظ فقط دون المعنى ، فها هو الإمام الغزالي ـ بدوره ـ يري ـ في المعنى العام لكلمة النفس أنه الجوهر القائم في الإنسان  من  حيث هو حقيقته . هذا الجوهر الذي يسميه الحكماء النفس الناطقة.   والقرآن سماها النفس المطمئنة والروح الأمري، والصوفية يسمونها

القلب. والخلاف بين هذه الكلمات ـ على حد تعبير ـ الغزالي ، في المسمى والمعنى واحد ، لا خلاف فيه .

    نتيجة لذلك نجد أن النفس والروح ـ في الحقيقة ـ واحد وترد كل منهما بعدة معانٍ بحسب الموقف الخاص بها فتطلق كلمة النفس إذاً كانت متصلة بالبدن ، أما إذا وجدت مجردة بدون البدن فتسمي بالروح لسموها وعلوها.

    أن النزعة الروحية spiritism هي المذهب الذي يرى أن الروح تبقى بعد الموت على صورة جسم بخاري لطيف لا يُرى بالعين ، بل يظهر بتأثير الوسطاء في ظروف خاصة .

والآن يمكن بيان أهم الفروق بين عالم الروح والمذهب الروحاني spiritualism  كالاتي :

١- إن علم الروح لا يبحث إلا في أرواح الأموات.

٢- وإنه يبني نظريته على التجربة لا على الإستدلال .

٣- وإنه يلبس الروح ثوباً مادياً يسمى بالغشاء البخاري .

٤- وأنه يعزو إلى الروح تأثيراً مادياً في تحريك الاجسام .

 إلا أن المذاهب قد تعددت  في وضع تعريف محدد للنزعة الروحية فمثلاً نجد :

١- أصحاب الإتجاه المادي :-

   لا يعترفون الإ بالمادة وبما ينجم عنها ، وبالتالي فالروح ـ عندهم ـ نتيجة و وظيفة للمادة .

٢- الإتجاه المثالي :-

  أصحابه يردون كل شيء إلى النفس .لأنها وحدها عندهم هي الحقيقة، وما عاداها إنما هي صورٌ وأوهامٌ .فبالتالي فالنزعة الروحية هي السمة الأساسية والحقيقية لذلك الاتجاه المثالي .

   وبصفة عامة فإن المذهب الروحاني يرى أن الفرد والمجتمع يهدف إلى غايتين :

 الأولى :-  متعلقة بالحياة الحيوانية أو المادية.

 والأخرى :- متعلقة بالحياة الروحية المحضة ، وهاتان الغايتان متعارضتان.

      ويرى البعض أن المذهب الروحي أو النزعة الروحية ترى أن الروح جوهر الوجود ، وأن حقيقة كل شيء ترجع إلى الروح السارية فيه مع العلم :- بأنه يوجد فرق جوهري بين الروحاني والروحي .

  لذا حاول جارودى أن يقدم نقداً للتصور الغربى عن الروح وذلك من خلال الإيمان.   يعتبر الايمان من أسمى وأنبل الوسائل التى يتوسل ويتقرب بها العبد إلى ربه بهدف الحصول على رضا الله أو الحصول على الراغب أوالنجاة من المرهوب ولأهمية الإيمان فقد ورد فى آيات عديدة في القرآن الكريم مثل (( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار))

فقد اختلف الناس وتباينت آراؤهم حول حقيقة الإيمان فقد ذهب الائمة بأن الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان وتصديق بالقلب ومنهم من أقر بأن الإيمان هو تصديق فقط وأن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي على هذا فالايمان هو تصديق بالقلب.

أن الإيمان هو المعرفة بالقلب وعلى هذا فالايمان إما أن يكون بالقلب أو باللسان أو بسائر الجوارح كلاً على حدة أو متجمعة.

     فالإيمان من وجهة نظر جارودى – ما هو إلا شكلاً من أشكال السلوك لأنه يؤكد على الحاجات الإنسانية وأن الإنسان هوالوحيد الذى تلتصق فيه هذه الصفة – أى الإيمان.

قصد جارودى من اهتمامه بالإنسان ذلك الإنسان الفرد فى هذا العالم الذي يستطيع أن يتغلب على عجزه بذاته أوهويته لهذا يجب أن يعتمد على قدراته الذاتية بدون دعم مادى أوسماوي.

      يتضح لنا موقف جارودى الديني الجديد الذي مثل عنده نزعة إنسانية من الدرجة الأولى –وإعتبر الدين الإيمان إتجاهاً فكرياً عقائدياً جديد خاصة العقائد التي حوت فى مضمونها ذلك الإتجاه الانسانى لفكرة الواحد إذ تتجه قوته – أي  الإنسان -الداخلية الى التفكير فى الإله الواحد بدون مساعدة من أحد وإنما هى نابعة من قوته الداخلية.

    لذلك تعتبر هذه القوة الداخلية هى الأساس الذى بنى عليها جارودى إيمانه وهذا ما أسماه جارودى بروح الديني والذي على أساسه يميز أسلوبه في الحياة.

حاول جارودى أن يربط بين الإيمان والدين ولكن على الصعيد الآخر نجد أن بعض الإنسانيين إعتقدوا بأن الدين مسألة إتجاه أو موقف لا مسألة مضمون .

    لذلك فقد سعى الإنسانيون الدينيون إلى الإحتفاظ بمفهومهم الديني لكي يدل على كل نشاط ينطوي على مبادئ رفيعة وله إتجاه إجتماعى بغض النظر عن وجود أي عنصر عال أو خارق للطبيعة أو عدم وجوده.

      من هنا فإن النزعة الانسانية الدينية تهتم بالانسان وغاياته وكل ما يهمه فى تحقيق السعادة لبلوغ أعلى الدرجات والتقدم والتطور الذي يمثل أوجه النشاط الديني يذهب جارودى الى أن الإيمان والدين شرطان أساسيان للاتجاه الروحانى وأن كلاهما يكملان بعضهما البعض وسواء أكان الدين منهجاً أم عقيدة فإنه يسعى فى نهاية المطاف إلى الوصول إلى الإيمان الصحيح والكامل مشترطاً وجود العقل الذى يتمتع به الإنسان لأن الطابع العقلي هو الأساس الذي يتفهم العقيدة والتى من خلالها – أيضاً يتوصل الى الوحي .

    يؤكد جارودى على أن الايمان أو الدين – مهما كان – ليس مناهضا للنزعة الانسانية – بالمعنى السابق ذكره – بل إن الدين مجرد تأويل وفهم يقوم بتوظيف الإيمان من أجل معنى الانسانية للوصول بها إلى المعنى الفلسفي .

من هنا يبرز لنا أهم بنود الإيمان عند – جارودي–مرتبطاً أشد الارتباط بالجوانب الاجتماعية خاصة في الإيمان بقيمة الوجود الإنساني في الكون وأن الإنسان يسعى إلى الخلاص الذى يصدر عن جهده الإنساني الجماعي بين الجانبين المادى والروحى إذ حاول جارودى أن يجمع بين هذه الجوانب من خلال منهج أصيل وخط فكرى واضحفي جميع ثناياه

الهدف الأسمى عند جارودي كان هو التقدم بإعتبار أن التقدم هذا هو التوجه الكمى أو الوضعي من وجهة نظر الحداثة الغربية التي يحصرها جارودى فى مجموعة من السلوكيات وهي :-

١-حضارة تسيطر عليها العلوم والتكنولوجيا.

٢-عقل برجماتى محكوم بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

٣-وحدانيةعالمية السوق، أى المال.

٤-نظام تختزل كل القيمة فيه الى مجرد قيم سلعية.

٥-نظام حياة  غربي  يهدف إلى تحويل الإنسان إلى منتج أكثر فاعلية وإلى مستهلك أكثر شراهة.

بناءً على هذا يصرح جارودى بأن الحداثة ستكون هي الموت البطىء للإنسانية ولكل ما يعطي الحياة معنى ومسئولية.

    و إن نهضة الإسلام ليست ممكنة إلا إذا تحاشياً عقبة مزدوجة وهى :-

١- تقليد الغربي .   2- تقليد الماضي.

الخاتمة

 في نهاية المطاف توصلت إلى نتائج هامة والتى يمكن حصرها في عدة نقاط ألا وهى :-

١- نظراً لمكانة فكر جارودى فقد أشعلت أفكاره جدلاً واسعاً بين المفكرين والفلاسفة . نظراً لرفض جارودى الشديد لأن يقدم أي ترضيات وإنما حاول بقدر استطاعته أن يخرج من هذا الجدل بشكل منهجى وصل في نهايته إلى اليقين التام الذي يرضيه من خلال الإيمان والعقل معاً .

٢- أصبحت فلسفة جارودى وكأنها رساله لكل مفكر وفيلسوف بأن المفكر الحق يجب أن يكون شجاعاً وقوياً ولا يهب أي سياسات أو تحديات وتوصيات . ولعل هذا هو السبب الرئيسى فى زجه بالسجن ومنعه من الظهور فى الاعلام .

٣- أكد جارودى على أهمية التأويل مع عدم مجاوزة التأويل لأى أطروحات أيدلوجية لأن جارودى لم يصر على أى ضوابط محددة تحول بين هذا التأويل وبين الأطروحات الايدلوجيه .

٤- يشير جارودى أنه لم يحصل على ضالته في المسيحية وفى بعدها المعنوي أو الروحي الذي يجعل للحياة معنى لذلك اتجه إلى الشيوعيه ثم الى الماركسيه وأخيراً وجد ضالته فى الاسلام مع أنه يحتفظ لنفسه بمخاوف عن الاسلام التي من خلالها يبتعد الإنسان عن دينه ولكن يجب الإيمان الحق للوصول إلى الهدف النهائي وهو الله عز وجل .

٥-ولكن رغم إيمان جارودى إلا أنه أخفق في تقديم صرحاً تأويلياً للآيات القرآنية وهذا يرجع إلى دراسته ولكننا نستطيع القول أن جارودى حاول قدراستطاعته أن يصل إلى الإسلام الفعلي لا الإسلام القولى باعتبار أن الإسلام عنده كافٍ فعلاً لا قولاً.

٦- رغم المؤيدين لجارودي والناقدين له من ناحية أخرى إلا أن الباحث فى فكر جارودى يجد أنه حاول أن يفهم الإسلام بصورة أخرى وهذه النقطة تحسب له لا تحسب عليه وهذا راجع إلى البيئة التي عاش فيها وكل الأفكار التي ورثها من الغرب ضد الإسلام .

٧-أثبت جارودي أن التصوف سمة من سمات الدين الإسلامي رغم الاختلاف في الطريقة الا أن اللب الجوهرى للتصوف هو الوصول إلى الإيمان الحقيقي الذي عن طريقه نصل إلى الإسلام واليقين الصادق لله الواحد . ٨-أثبت جارودي أن الإسلام رسالة قوية إلى العالم كله وأن الإسلام ليس عدواً لأحد ولا يفرق أحد على أحد .

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.
العنوان
هل سترسل مقالاتك من داخل مصر ام من خارجها ؟
هل لديك خبرات سابقة فى مجال الصحافة ؟